مجموعة قصص للرائع جبران خليل جبران وكاملة
ولكن جميع كتابات جبران تدعو الى التفكر العميق
فإن كنت تخاف أن تفكر فالأجدر بك ألا تقرأ لجبران
هيا معا نبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدأ الحرب والأمم الصغيرة كان في أحد المروج نعجة وحمل يرعيان .
وكان فوقهما في الجو نسر يحوم ناظراً إلى الحمل بعين جائعة يبغي إفتراسه
وبينما هو يهم بالهبوط لإقتناص فريسته ، جاء نسر آخر وبدأ يرفرف فوق النعجه
وصغيرها وفي أعماقه جشع زميله .
فتلاقيا وتقاتلا حتى ملأ صراخهما الوحشي أطراف الفضاء .
فرفعت النعجة نظرها إليهما منذهلة ، والتفتت إلى حملها وقالت :
(( تأمل ياولدي ، ما أغرب قتال هذين الطائرين الكريمين !!
أوليس من العار عليهما أن يتقاتلا ، وهذا الجو الواسع كاف لكليهما
ليعيشا متسالمين ؟؟
ولكن صلّ ياصغيري ، صلّ في قلبك إلى الله ، لكي يرسل سلاماً إلى
أخويك المجنحين ! ))
فصلى الحمل من أعماق قلبه !
---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ----
الصحيفة البيضاءقالت صحيفة ورق بيضاء ( كالثلج ) :
(( قد برئت نقية طاهرة وسأظل نقيةً إلى الأبد . وإنني لأوثر أن احرق وأتحول
إلى رماد أبيض ، على أن آذن للظلمة فتدنو مني وللأقذار فتلامسني ))
فسمعت قنينة الحبر قولها وضحكت في قلبها القاتم المظلم ولكنها خافت
ولم تدن منها .
وسمعت الأقلام أيضاً على أختلاف ألوانها ولم تقربها قط .
وهكذا ظلت صحيفة الورق بيضاء كالثلج ــــ نقيةً طاهرة ــــ ولكن ... فارغة .
---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ----
العالم والشاعر قالت الحية للحسون : (( ما أجمل طيرانك أيها الحسون ! ولكن حبذا لو أنك تنسلّ إلى ثقوب الأرض وأوكارها . حيث تختلج عصارة الحياة في هدوء وسكون! ))
فأجابها الحسون وقال : (( أي وربي ! إنك واسعة المعرفة بعيدتها ، بل انت أحكم جميع المخلوقات ، ولكن حبذا لو أنك تطيرين )) .
فقالت الحية كأنها لم تسمع شيئاً : (( مسكين أنت أيّها الحسون ! فأنك لا تستطيع أن تبصر أسرار العمق مثلي ، ولا تقدر أن تتخطر في خزائن المماليك الخفية ، فترى أسرارها ومحتواياتها ، أما أنا فلا أبعد بك ، فقد كنت في الأمس متكئة في كهف من الياقوت الأحمر أشبه بقلب رمانة ناضجة ، وأضأل الأشعة تحولها إلى وردةٍ من نور .فمن أعطي سواي في هذا العالم أن يرى
مثل هذه الغرائب؟ )) .
فقال لها الحسون : (( بالصواب قد حكمت أيتها الحكيمة ، فلا أحد إلاك يستطيع أن يفترش ما تبلور من تذكارات العصور ، وآثار الدهور . ولكن وا أسفاه ،فأنك لا تغردين ! )) .
فقالت الحية : (( إنني أعرف نباتاً تمتدّ جذوره إلى أحشاء الأرض ، وكل من يأكل من تلك الجذور يصير أجمل من عشتروت )) .
فأجابها الحسون قائلاً (( لا أحد ، إلاك قد أهتدى إلى حسر القناع عن فكر الأرض السحري . ولكن واأسفاه ، فأنك لا تطيرين ! ))
فقالت الحية* : (( وأعرف جدولاً أرجوانياً يجري تحت جبل عظيم ، وكلّ من يشرب من هذا الجدول يصير خالداً . وليس بين الطير أو الحيوان من أهتدى إلى ذلك الجدول سواي )) .
فأجاب الحسون وقال (( بلى والله . فإن في منالك أن تكوني خالدة لو شئت . ولكن واأسفاة ، فأنك لا تغردين ! )) .
فقالت الحية (( وأعرف هيكلاً مطموراً تحت تراب الأرض ، لم يهتد إليه باحث أو منقب بعد ، أزوره مرة في الشهر ، وهو من بناء جبابرة الأزمنة الغابرة . وقد نقشت على جدرانه أسرار جميع الأزمنة والأمكنة )) .
فأجابها الحسون قائلاً (( بلى أيتها الحكيمة العزيزة ، فإنك لو شئت لاستطعت أن تكتنفي بلين جسدك جميع معارف الأجيال . ولكنك وا أسفاه ، لا تقدرين أن تطيري )) .
فاشمأزت الحية إذ ذاك من حديثه ، وارتدت عنه إلى وكرها وهي تبربر في ذاتها قائلة :
(( قبحه الله من غرّيد فارغ الرأس !!! )) .
أما الحسون فطار وهو يغني بأعلى صوته قائلاً :
(( واأسفاه، إنك لا تغردين ! واأسفاه، واأسفاه ياحكيمتي، فإنك لا تطيرين! )).
---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ----
الأثمان كان رجل يحفر في حقله .
وفيما هو يحفر عثر على تمثال بديع من المرمر الجميل .
فأخذه ومضى به إلى رجل كان شديد الولع بالآثار والعاديّات وعرضه عليه .
فاشتراه منه بأبهظ الأثمان .
ومضى كل منهما في سبيله .
وبينما كان البائع راجعاً إلى بيته أخذ يفكر في ذاته قائلاَ :
(( وما أكثر مافي هذا المال من القوة والحياة ! إنه بالحقيقة ليدهشني كيف أن رجلاً عاقلاً ينفق مالاً هذا مقداره لقاء صخرٍ أصم فاقد الحركة ، كان مدفوناً في الأرض منذ ألف سنة ولم يحلم به أحد)
وفي الساعة عينها كان المشتري يتأمل التمثال مفكراً وقائلاً في ذاته :
(( تبارك ما فيك من الجمال ! تبارك مافيك من الحياة ! حلم أية نفس علوية انت ؟ هذه بالحقيقة نضارة أعطيتها من نوم ألف سنة في سكينة الأرض ؟ أنني والله لا أفهم كيف يمكن الإنسان أن يبيع مثل هذه الطرفة النادرة بمال جامد زائل )) .
---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ---- ----
التوبة دخل رجل في ليلة ظلماء إلى حديقة جاره ، فسرق أكبر بطيخة وصلت إليها يده وحملها وجاء بها إلى بيته .وعندما كسرها وجد أنها عجراء لم تبلغ بعد نموها ، فتحرك ضميره في داخله إذ ذاك ، وأوسعه تونيباً ، فندم على أنه سرق البطيخة ....
..........................................................................................
الثعلبخرج الثعلب من مأواه عند شروق الشمس ، فتطلع إلى ظله منذهلا وقال : " سأتغذى اليوم جملا" ، ثم مضى في سبيله يفتش عن الجمال الصباح كله ، وعند الظهيرة تفرس في ظله ثانية وقال مندهشا :" بلى ، إن فارة واحدة تكفيني "
......................................................................................
اللذة الجديدةاخترعت في ليلتي الماضية لذة جديدة .
وبينما كنت أتمتع بها لأول مرة رأيت ملاكا وشيطانا قد وقفا ببابي يتخاصمان ويتناقشان على تعريف لذتي .
فكان الأول يصرخ بأعلى صوته قائلا : " إنها خطيئة مميتة "
فيعترضه الثاني بصوت اشد من صوته :" لا ، لعمري إنها فضيلة "
..................................................................................
القفصانكان في حديقة أبي قفصان.
وكان في أحدهما أسد أحضره عبيد أبي من براري نينوى ، وفي الثاني زرزور غريد لا يمل الإنشاد.
وكان الزرزور يأتي في كل فجر إلى الأسد فيحييه قائلا له :" عم صباحا يا أخي السجين "
................................................................................
الطمعرأيت في جولاتي في الأرض وحشا على جزيرة جراء له رأس بشري ، وحوافر من حديد. وكان يأكل من الأرض ويشرب من البحر بلا انقطاع ، فوقفت أراقبه ردحا ، ثم دنوت منه وسألته قائلا :" اليس لجوعك من شبع أو لظمئك من ارتواء ؟ّ
فأجابني وقال :" نعم ، نعم قد بلغت كفافي بل قد مللت الأكل والشرب ولكنني أخاف أن لا تبقى إلى غد أرض لآكل منها وبحر لأرتوي من مائه "
..................................................................................
دوارة الريحقالت دوارة الريح للريح :" قبحك الله ، ما أثقلك وأملك ، أليس في وسعك أن تهبي في وجه غير وجهي ؟ ألا تعلمين أنك بعملك هذا إنما تعكرين صفو ثباتي الذي أعطاني الله ؟"
فلم تجب الريح بكلمة قط ، ولكنها ضحكت في الفضاء[/FONT]