علم الأصوات
لدراسة الصوتية –كغيرها من العلوم- تعاني من مشكلة الاختلاف في المصطلحات بين الدارسين: فهناك العديد من الأسماء التي وضعت لها، سواء في الدرس اللغوي الأجنبي، أو عندنا في دارستنا الحديثة، ابتداء من تحديد المصطلح الذي يعين بدقة معنى : الدرس الصوتي للغة.
عند استقراء المصطلحات التي تطلق على هذا المفهوم عند الأجانب، نجد أكثرها شيوعا في اللغة الإنجليزية Phonetics و Phonology، ويمكن بتأمل بسيط أن نرى الاختلاف الواضح في مدلول هاتين الكلمتين «فقد استعمل دي سوسير اللفظ Phonetics للدلالة على ذلك الفرع من العلم التاريخي الذي يحلل الأحداث والتغيرات والتطورات عبر السنين، في حين حدد مجال Phonology، بدراسة العلمية الميكانيكية للنطق» «أما مدرسة براغ اللغوية فتستعمل مصطلح Phonology في عكس ما استعمله دي سوسير، إذ تريد به ذلك الفرع من علم اللغة الذي يعالج الظواهر الصوتية من ناحية وظيفتها اللغوية» .
«أما Phonetics فقد أخرجه تروبتسكوي وجاكسون من علم اللغة» .
«واستعمل علم اللغة الإنجليزي والأمريكي مصطلح Phonology لعشرات السنين في معنى تاريخ الأصوات» .
«ومن اللغويين من رفض الفصل بين ما يسمى Phonetics وPhonology، لأن أبحاث كل منهما تعتمد على الأخرى، وَوَضَع الاثنين تحت مصطلح Phonetics أو تحت المصطلح Phonology» .
«ومن اللغويين من اعتبر المصطلحين مترادفين، وميّز الدراسة التاريخية من الدراسة الوصفية عن طريق إضافة كلمة: تاريخي أو وصفي» .
وشاع هذا الاختلاف أيضا عند الدارسين العرب، بين من يرى أخذ المصطلح الأجنبي كما هو من غير ترجمة له، وبين من يحاول ترجمته بشكل دقيق حتى يدل على المعنى المقصود، فلو أخذنا مثلا مصطلح Phonology الإنجليزي وأردنا تحديد ما يقابله في العربية نجده «يُنقل مرة كما هو في اللغة الإنجليزية، فيسمى الفنولوجيا، ويترجم مرة أخرى إلى تسميات عدة منها: التشكيل الصوتي، علم وظائف الأصوات، علم الأصوات التنظيمي، علم الأصوات، دراسة اللفظ الوظيفي، علم النظم الصوتية... وترجمات أخرى مدرجة في الترجمات السابقة مثل: علم الأصوات التشكيلي، الذي هو تحوير للترجمة السابقة التشكيل الصوتي، وكذلك علم الأصوات الوظيفي، الذي هو تحوير للترجمة: علم وظائف الأصوات، وقد ترجمه مجمع اللغة العربية في القاهرة: النطقيات» .
والأمر كذلك بالنسبة لـ: Phonetics حين دخل درسنا اللغوي الحديث «أبقاه بعض الدارسين دخيلا، فقال فونيتيك دون تعريب، وغالبا ما كان يقرن كتابته بإحدى اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية Phonetics أو Phonetique ، مع شرح لمدلوله بالعربية، كما تُرجم إلى علم الصوت، منهج الأصوات، علم الأصوات العام، وعلم الأصوات، وعلم الأصوات اللغوية، والصوتيات، والصوتية» .
ويوجد غير Phonetics وPhonology مصطلحات أخرى تطلق على الدرس الصوتي الأجنبي، ولكننا اقتصرنا على السابقين فقط لأنهما الأكثر شيوعا واستعمالا، والأدل على العلم المدروس. وسنستعمل في هذا البحث المصطلح العربي (الصوتيات) في مقابل الإنجليزي Phonetics على ما اختاره العديد في العصر الحديث منهم عبد الرحمان الحاج صالح الذي يقول:« أدق ترجمة لمصطلح Phonetics هي الصوتيات، وهي كلمة من قسمين: صوت: للدلالة على المادة المدروسة و: ات: للدلالة على العلم، فيكون المعنى بذلك: علم الصوت، أو علم الأصوات، قياسا على كلمات كثيرة منها: لسانيات، رياضيات..» .
يعرَّف العلم الذي يدرس أصوات اللغة في جانبها المادي من غير نظر في وظائفها بأنه «العلم الذي يهتم بدراسة الأصوات المنطوقة في لغة ما، وتحليلها وتصنيفها، بما في ذلك طريقة نطقها وانتقالها وإدراكها» .
فهو تناول الدراسة والتحليل الأصوات المنطوقة التي تصدر عن الإنسان طواعية واختيارا لغرض التبليغ، وذلك بأن يحللها إلى أصغر أجزائها (الأصوات البسيطة أو الحروف) ويقوم بوصفها، ليصل بعد ذلك إلى تصنيفها وفق معايير معينة، ويدرس إضافة إلى ذلك عملية انتقالها حتى تصير إلى أذن السامع، وما يرافق هذا الانتقال من ظواهر فيزيائية وميكانيكية...
«والفونيتيك عند مقابلته بالفنولوجيا يصبح ذا مدلول ضيق نسبيا، إذ يطلق حينئذ ويراد به دراسة الأصوات من حيث كــونـها أحدثا منـطوقة بالفعل actual speech evenis لها تأثير سمعي معين Audiotory effect ، دون نظر في قيم هذه الأصوات أو معانيها في اللغة المعينة، إنه يعنى بالمادة الصوتية لا بالقوانين الصوتية، وبخواص هذه المادة أو الأصوات بوصفها ضوضاء Noice، لا بوظائفها في التركيب الصوتي للغة من اللغات» .
ومن المعروف أن لكل صوت لغوي أثره في تحديد المعنى وإبراز الدلالة، فهو يؤدي دورا هاما ووظيفة أساسية في الكلمة، تنظم هذه الوظيفة قواعد اللغة العامة ونظامها الفنولوجي، إلا أن دارس الصوتيات لا يهتم بهذا المجال من الدراسة، بل إنه ينظر إلى الأصوات اللغوية من جانبها المادي، بغض النظر عن قيمتها الوظيفية في الكلام.
«أما الآن فمعظم اللغويين يخصصون المصطلحPhonology للدراسة التي تصف وتصنف النظام الصوتي للغة معينة»
ونظرا لتوسع المباحث الصوتية في الدراسة اللسانية، فإن الصوتيات قد تفرعت بدورها إلى أقسام عدة، وفق ما تقتضيه الدقة والتخصص، لكل منها مجاله وبحثه، بحيث يخدم كل قسم الآخر ويتممه، بشكل يكفل الوصف الدقيق للأصوات اللغوية.