المجازُ المرسل
الأَمثلة:
(1) قال المتنبي:
لَهُ أَيَادٍ عَلَىَّ سَابغَةٌ أُعَدُّ مِنْها وَلا أُعَدِّدُها
(2) وقال تعالى: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءَ رِزْقاً}.
(3) كَمْ بَعَثنَا الْجَيْشَ جرَّا رًا وَأَرْسَلْنا الْعُيُونَا
(4) وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابعَهُمْ فِي آذَانِهمْ}.
(5) وقال تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامىَ أمْوالَهُمْ}.
(6) وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
{إنّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلاَّ فاجرًا كَفَّارًا}.
(7) وقال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة}.
(8) وقال تعالى: {إن الأبْرَارَ لَفي نَعِيم}.
البحث:
عرفت أن الاستعارة من المجاز اللغوي، وأنها كلمة استعملت في غير معناها لعلاقة المشابهة بين المعنيين الأصلي والمجازى، ونحن نطلب إليك هنا أن تتأَمل الأمثلة السابقة، وأَن تبحث فيما إِذا كانت مشتملة على مجاز. انظر إلى الكلمة "أياد" في قول المتنبي؛ أَتظن أنه أَراد بها الأيدي الحقيقية؟ لا. إِنه يريد بها النّعم، فكلمة أَياد هنا مجاز، ولكن هل ترى بين الأَيدي والنعم مشابهة؟ لا. فما العلاقة إِذا بعد أَن عرفت فيما سبق من الدروس أَن لكل مجاز علاقة، وأَن العربي لا يُرسل كلمةً في غير معناها إِلا بعد وجود صلة وعلاقة بين المعنيين؟ تأَمل تجد أَنَّ اليد الحقيقية هي التي تمنح النعم فهي سبب فيها، فالعلاقة إِذًا السببية وهذا كثير شائع في لغة العرب.
ثم انظر إلى قوله تعالى: {ويُنَزِّلُ لَكُمْ مِن السماءِ رزْقاً}؛ الرزق لا ينزل من السماءِ ولكن الذي ينزل مطرٌ ينشأُ عنه النبات الذي منه طعامُنا ورزقُنا، فالرزق مسبب عن المطر، فهو مجاز علاقته المسببة، أَما كلمة "العيون" في البيت فالمراد بها الجواسيس، ومن الهيِّن أن تفهم أن استعمالها في ذلك مجازىٌّ، والعلاقة أن العين جزءٌ من الجاسوس ولها شأن كبير فيه فأُطلق الجزء وأريد الكل: ولذلك يقال إِن العلاقة هنا الجزئية. وإِذا نظرت في قوله تعالى: {وإِنِّي كُلَّما دَعَوتُهُمْ لِتغفِرلهُمْ جَعَلُوا أصَابِعَهُمْ في آذَانهمْ} رأيت أن الإنسان لا يستطيع أن يضع إِصبعهُ كلها في أُذنه، وأن الأصابع في الآية الكريمة أُطلقت وأُريد أطرافها فهي مجاز علاقته الكلية.
ثم تأمل قوله تعالى: {وآتُوا الْيتَامى أمْوَالَهم} تجد أَن اليتيم في اللغة هو الصغير الذي مات أبوه، فهل تظن أن الله سبحانه يأمر بإعطاءِ اليتامى الصغار أموال آبائهم؟ هذا غير معقول، بل الواقع أن الله يأْمر بإعطاء الأموال من وصلوا سِن الرُّشد بعد أن كانوا يتامى، فكلمة اليتامى هنا مجاز لأنها استعملت في الراشدين والعلاقة اعتبار ما كان.
ثم انظر إلى قوله تعالى: {ولا يلِدُوا إِلاَّ فاجرا كفارا} تجد أن فاجرًا وكفارًا مجازان لأن المولود حين يولد لا يكون فاجرًا ولا كفارًا، ولكنه قد يكون كذلك بعد الطفولة فأُطْلِق المولود الفاجر وأريد به الرَّجلُ الفاجرُ والعلاقة اعتبار ما يكون.
أَما قوله تعالى: {فلْيَدْعُ نادِيه} والأَمر هنا للسخرية والاستخفاف، فإِننا نعرف أن معنَى النادي مكان الاجتماع، ولكن المقصود به في الآية الكريمة مَنْ في هذا المكان من عشيرتِهِ ونُصرائه، فهو مجاز أُطلق فيه المحل وأريد الحال، فالعلاقة المحلية
وعلى الضد من ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرار لَفِي نَعِيم} والنعيم لا يحُلُّ فيه الإنسان لأنه معنى من المعاني، وإنما يحل في مكانه، فاستعمال النعيم في مكانه مجاز أطلق فيه الحالّ وأريد المحل فعلاقته الحالية.
وإِذا ثبت كما رأيت أن كل مجاز مما سبق كانت له علاقة غير المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلى، فاعلم أن هذأ النوع من المجاز اللغوى يسمى المجاز المرسل
القواعد:
المجازُ الْمُرسَل كلمة اسْتُعْمِلَتْ في غَيْر مَعناها الأَصْلي لعلاقة غير المشابهةِ مَعَ قرينةٍ مانعةٍ من إِرادةِ المعنَى الأصْليِّ
مِن عَلاقات المجاز المُرْسَل:
السَّببيَّة – المسَبَّبيَّةُ – الجُزئيةُ – الكليَّةُ - اعْتبَارُ
ما كان - اعتبارُ ما يكون – المَحَليِّـَّة - الحالِّيـَّةُ.
نَمُوذَج
(1) شَرِبْتُ ماءَ النِّيل.
(2) ألقَى الخطيب كلمة كان لها كبيرُ الأَثر.
(3) واسْأَل القَرْيَةَ التي كُنَّا فيها.
(4) يَلْبَسُ المصريون القطنَ الذي تُنتِجُهُ بلادُهـم.
(5) والأَعْوَجِيَّةُ مِلءَ الطرْقِ خَلْفَهُمُ وَالمْشرَفِيةُ مِلءَ الْيَوْم فَوْقَهُمُ
(6) سأُوقد ناراً.
الإِجابة
(1) ماءَ النيل يرادُ بعضُ مائه فالمجاز مرسل علاقته الكلية.
(2) الكلمة يراد بها كلام " " " الجزئية.
(3) القرية يراد بها أهلها " " " المحلية.
(4) القطن يراد به نسيجٌ كان قطناً " " " اعتبار ما كان.
(5) ملءَ اليوم يراد به ملء الفضاء الذي يشرق عليه النهار فالمجاز مرسل " الحالِّية.
(6) نارًا يراد به حطب يئول إلى نار فالمجاز مرسل " اعتبار ما يكون. ________________________________________
يقول: إن للممدوح علي نعماً شاملة، فوجودي يعد من نعمه، ولا أستطيع أن أحصر هذه النعم.الجيش الجرار: الثقيل السير لكثرته.المرسل: المطلق، وإنما سمي هذا المجاز مرسلا لأنه أطلق فلم يقيد بعلاقة خاصة.ومن المجاز المرسل نوع يقال له المجاز المرسل المركب، وهو كل تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة غير المشابهة، وذلك كالجمل الخبرية المستعملة في الإنشاء للتحسر وإظهار الحزن كما في قول ابن الرومي.
بان شبابي فعز مطلبه وانبتّ بيني وبينه نسبه
فهذا البيت مجاز مرسل مركب علاقته السببية والقرينة حالية، فإن ابن الرومي لا يريد الإخبار، ولكنه، يشير إلى ما استحوذ عليه من الهم والحزن بسبب فراق الشباب.الأعوجيه: الخيل المنسوبة إلى أَعوج وهو فرس كريم لبنى هلال، والمشرفية: السيوف، وملء في الشطرين منصوب على الحال، وخبر المبتدأ في الشطر الأول الظرف خلفهم، وفي الشطر الثاني الظرف فوقهم؛ يصف المتنبي إحاطة جيوش سيف الدولة بأَعدائه.هو أبو جعفر محمد بن عبد الملك، وإنما اشتهر بابن الزيات لأن جده كان يجلب الزيت من مواضعه إلى بغداد، كان أديباً شاعراً بليغاً، وقد توزر للمعتصم ولابنه الواثق من بعده وتوفى سنة 223 هـ.ألما: انزلا به، الغوادي: جمع غادية، وهي السحابة تنشأ غدوة أو مطرة الغداة. والأحسن في مربع هنا أن تكون اسماً مأخوذًا من أربعة؛ والمعنى سقتك الغوادي أربعة أيام متوالية ثم أربعة أخرى متوالية يدعو بكثرة السقيا للقبر.المعاطب: المهالك.محدود: أي ممنوع، يعنى أن الذين نزل بساحتهم كذابون في وعودهم، ضيفهم ممنوع عن الطعام لبخلهم، وهم يمنعونه الرحيل حتى يظن الناس فيهم الكرم.المحض: الخالص، والمهند: السيف الهندي، والمراد به هنا الحرب؛ يقول رأيتك خالص الحلم في قدرة خالصة لا يشوبها عجز، ولو شئت أن تجعل الحرب مكان الحلم لفعلت.الناصية: الرأس.الرمح الأصم: الصلب المصمت. والمراد بالثياب هنا القلب، يصف نفسه بالإقدام ويقول: إن الكريم ليس بمحرم ولا بعزيز على الرماح.الداء الدوي: الشديد.