أحبتي في الله
إن من مشاكل هذا الزمان، ويبحث الناس عن علاجها، هي الهموم.
الهموم أمرها مزعج إذا حلت بقلب الإنسان.
الهموم من أثقل الأنكاد.
الهموم نار تستعر في القلوب.
الهموم حرقة تضطرم بها الأكباد.
أعزائــي
الدنيا طبيعتها المعاناة والمقاساة، فالإنسان حزين على ما مضى، مهموم بما يستقبل،
مغموم في الحال، كما دل عليه قول الحق تعالى :
((لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)).
أليست الدنيا دار هموم؟
ولكن أقول لكم ...
((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)).
لا تكره المكروه عند حلوله ************
إن العواقب لم تزل متباينة
كم نعمة لا يستهان بشكرها **********
لله في طي المكاره كامنة
لماذا الحزن والضيق بسبب الهموم؟
لماذا لا نكون سعداء بهذه الهموم والغموم والمصائب؟
ولكن كيف نكون سعداء بهذه الهموم؟
طريق السعادة وأنت مصاب بالهموم:
الطريق الأول إلى السعادة بالهموم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» رواه البخاري.
سبحان الله !!
كيف لا نسعد بالهموم وهي كفارة لذنوبنا؟
كيف لا نسعد بالهموم وهي تكثير لحسناتنا؟
تأمل معي، وتفكر .
أليس همك أن يكفرالله عنك الخطايا، وتزيد حسناتك ؟
الجواب: بلا شك نعم.
إذاً وداعاً للحزن بسبب الهموم، بل نقول: الحمد لله على هذه الهموم التي
تكفر عن ذنوبنا، وتكثر من حسناتنا.
الطريق الثاني إلى السعادة بالهموم
هو ذكرالله تعالى، قال الله تعالى في شأن الذكر:
((الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))،
وقال سبحانه :
((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ))
وقال
:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ))،
وقال:
((الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)).
يشكوا الكثير من تسلط الهموم، ولكن ينسون ذكر الله، كم من شخص ابتلي بالهموم،
فما أن يذكر الله، إلا وذهبت هذه الهموم، واطمئن قلبه، وارتاح باله.
نصيحة من القلب، ما أن يتسلط عليك الهم، فاللجأ إلى ذكر الله، وقراءة القرآن،
فهي تنسيك ما أصابك من هموم، فإذا نسيت همومك تحصل السعادة والراحة.
الطريق الثالث إلى السعادة بالهموم
هو المحافظة على الصلاة، قال تعالى:
((إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ** إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ** وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ** إِلا الْمُصَلِّينَ ** الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ)،
وقال :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ح****ه أمرفزع إلى الصلاة، أي: إذا نزل به أمر مهم أو أصابه غم.
فالصلاة راحة القلب ، وقرة العين ، وعلاج الهموم والأحزان .
الطريق الرابع إلى السعادة بالهموم
أن تكون الأخرة هي همك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا
وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ
وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ» رواه الترمذي وصححه الألباني.
الله أكبر !!
يجعل الله الغنى في قلوبنا، ويجمع شملنا، وتأتينا الدنيا وهي راغمة
، إذا كانت الأخرة هي همنا،
ولما لا تكون الأخرة هي همنا وهي معادنا؟
في الأخرة سنسأل عن أعمالنا، هل أعمالنا صالحة تقربنا إلى الله، أم أعمال نحاسب عليها، وتبعدنا عن الله؟
وسنسأل عن أقوالنا، هل أقوالنا صالحة تقربنا إلى الله، أما أقوال نحاسب عليها وتعبدنا عن الله؟
بل ماذا سيكون حالنا في القبر ونحن نسأل ؟
هل أدينا الحقوق ؟ هل قمنا بالواجبات ؟
قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد
: «إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كلّ ما أهمّه، وفرّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكَلَه إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره.. فكلّ من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلِيَ بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته.
قال تعالى :
((وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)) »
الطريق الخامس إلى السعادة بالهموم
هو دعاء الله سبحانه وتعالى، فاللجأ إلى الله تعالى وادع متضرع إليه
بأن يعيذك من الهموم ويباعد بينك وبينها، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وإليكم بعض الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوبها ويعلمها لبعض أصحابه:
•
«يا حي ياقيوم برحتمك أستغيث أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفةعين».
• «اللهم لا سهل إلا ماجعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن سهلاً إذاشئت».
• «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجزوالكسل،وأعوذ بك من الجبن والبخل،
وأعوذ بك من غلبة الدين وقهرالرجال».
• «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لا إِلَهَإِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّالسَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ».
• ومن أعظم الأدعية التي تذهب الهموم والغموم والأحزان، هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
«مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاحَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَنَاصِيَتِي بِيَدِكَ
مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَبِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْخَلْقِكَ
أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِالْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي
وَنُورَ صَدْرِيوَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجا.
الطريق السادس إلى السعادة بالهموم
هو كثرة الاستغفار، قال تعالى:
((وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ))،
وقال نوح لقومه
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ** يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً ** وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً)).
لعلنا أصبنا ذنباً، فسلط الله علينا هذه الهموم، أو قصرنا في حقٍّ من حقوق الله، أو حقوق الناس،
فبالاستغفار تنفرج الأمور، ويرزقنا الله من حيث لا نحتسب،
قال تعالى:
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ** وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)).
الطريق السابع إلى السعادة بالهموم
عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ،
وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن ... فعجباً لأمره.
الطريق السابع هو الصبر، الصبر ترياق للهموم،
قال تعالى
: ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ))،
فالصبر عند الملمات من إمارات السعادة.
إذا بُليت فثق بالله وارض به ****** إن الذي يكشف البلوى هو الله
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ****** ما لامرئ حيلة فيما قضى الله
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه ****** لا تيأسن فإن الصـــانع الله
فهذه سبعة طرق أهديها إليكم من كتاب ربنا عز وجل،
ومن مشكاة النبوة حتى تكون سعداء بهمومكم وغمومكم،
وأحزانكم، فلا تحزنو بعد اليوم، وتذكروا
أن الله تعالى قال:
((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً))