مسرح اللامعقول عند توفيق الحكيم

مسرح اللامعقول عند توفيق الحكيم

ياطالع الشجرة هات لي معك بقرة تحلب وتسقيني بالملعقة الصيني

-(البرتقال في الشتاء ،والمشمش في الربيع والتين في الصيف والرمان في الخريف

هذا مايقوله العقل الباطن في المنطق المعقول فماذا يقول هذا العقل في اللامعقول

لم يلق مذهب اللامعقول في الفلسفة الذي طرحه البير كامو قبولا لدى المفكرين والأدباء والنقاد العرب بدءا من طه حسين والعقاد وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وانتهاءا بنزار قباني حيث اتفق الجميع على أن ظروفنا وحياتنا وحضارتنا وثقافتنا تختلف كليّا عن ظروف الغرب وحياته وثقافته وأن إنسان الغرب غير إنسان الشرق فالأول مشيع بالعقلانية وهكذا وضعوا اللامعقول في موضع المعارضة الكاملة ل(المعقول) وباعتبار أن اللامعقول رفض كمذهب فلسفي كان من الصعوبة أن يقبلوه كمسرح من هذا المنطلق فقد كتب الحكيم ضمن مسرح اللامعقول (ياطالع الشجرة 2-الطعام لكل فم )بحذر شديد واستعمل شعرا شعبيا ردده أجيالا من الصبية ومازالوا يرددونه كانه يريد ان يقول أن اللامعقول هو اصيل عندنا وليس دخيل فما معنى (ياطالع الشجرة هات لي معك بقرة تحلب وتسقيني بالملعقة الصيني )في الحقيقة ليس له معنى لكنه لايختلف كثيرا عن التراث الشعبي الذي يميل إلى المبالغة والشطط فهل الف ليلة وليلة معقول 0إنه تراث مليء بالمبالغات والرموزلكنه يعكس واقعية النزوع الإنساني فطائر الملك الذي يحط على كتف احد الفقراء ليجعل منه ملكا يساوي بين الناس ويطارد القتله والظالمين والأثرياء هو في الحقيقة طائر النزوع الإنساني لخلق عالم جديد غير موجود

ثم هل بساط الريح الذي يحمل الإنسان المضطهد لينقذ الجموع المنتظرة هو واقعي ام يمثل حلما إنسانيا لإحلال الخير بدل الظلم وهكذا يصبح اللامعقول معقولا في تفكير العقل الباطن إن التراث الشعبي يعني بالضبط التعبير عن نزوع الطبقات المسحوقة نحو عالم افضل

ياطالع الشجرة :يقول توفيق الحكيم في مقدمة المسرحية :على أنه من الضروري ان نعلم أن مسرحنا الحاضر مازال في حاجة ماسة إلى الفن الواقعي لسنوات عديدة لهذا لا انصح بهذا اللون الغير واقعي إلا في أضيق الحدود ومن دواعي النهضة أن تكون كل أنواع الفن في المسرح ممثلة لدينا وأن تفتح كل الطرق امام الأجيال القادمة حتى يستطيع كل جيل أن يتحرّك ويسير لايعوقه باب مغلق عن اختيار النوع الذي يؤهله له استعداده

تفسير ياطالع الشجرة :ذهب الناقد علي الراعي في تفسيرها إلى أنها تعالج الموقف الخالد في حياة البشرية (الصراع بين اّدم وحواء وذهب محمد مندورإلى أنها مسرحية تعالج قضية الصراع بين الفن مجسدا في زوج فنان يتعهد شجرة الفن في حديقته وزوجة مشغولة بشؤون الحياة وبخاصة إنجاب الأطفال ولانغماس كل منهما فيما يهمه استحال التفاهم بينهما وشكل برزخا حتى احتدام الصراع في نفس الفنان بين وجوب تكريس اهتمامه بشجرة الفن وبين ضرورة معايشة زوجته التي ترمز للحياة مجسدة في المرأة بينما ترمز السحلية التي انسابت نحوه من حجر إلى شجرة الحياة وسحر المرأة ونلاحظ أن الحكيم يتتبع خطوات ليوجين يونسكو في مسرحية (اميدية )التي تجسد فكرة الكره الزوجي أو الملل الزوجي الذي ينمو مع تقدم الزواج ويكبر كنمو الجنين حيث يرى ليوجين أن كل زواج سوف يقود إلى الملل والضجر والقرف من الحياة ومسالة كهذه لاتحل برأيه إلا بحذف أحد الطرفين الزوج أو الزوجة عندها فقط ينتهي الكره الزوجي ولكن مؤقتا ريثما يعود الطرف المتبقي إلى عقد زواج جديد إلا أن الفارق بينهما أن ليوجين يرى الحل في طلاق الزوجين وهكذا تعود الحياة إلى دورتها الطبيعية بعقد زواج جديد أما الحكيم فيجسد الحل بقتل الزوجة لتصبح سمادا لشجرة الفن ثم يصرح الزوج بان لافرق عنده بين سجنه أو إعدامه (ونرى في حل الحكيم رمزا لتوقف الحياة عند حذف احد الطرفين )وهو يمثل النظرة السوداء التي يراها كتاب مسرح اللامعقول الذين لايتفاءلون بالمصير الإنساني وقد اخترت مقطعا صغيرا من الحوار من (ياطالع الشجرة) حيث يمثل فيها الدرويش العقل الباطن الذي ينطق بما بفكر به العقل الباطن :

الزوج :هل استطيع أن اثق بك ؟

الدرويش :كل الثقة ياسيدي إني لااتحرك من تلقاء نفسي ولا أتطوع بالكلام إلا إذا أردت أنت

الزوج :وأنا لن اريد

الدرويش :وانا لن أتكلم

الزوج :وكيف لي أن اطمئن ؟

الدرويش :اطمئن أني واثق من نفسي ولكني غير واثق منك

الزوج :لست واثقا منّي ؟

الدرويش :ومن يدري أنك لن تغيّر رأيك وتطلب مني انت المجيء والكلام يوما؟

بيد أن الفرق بين الرمزين واضح وبارز إن اميديا لايكلّم عقله الباطن كما فعل الزوج مع الدرويش فالدرويش هنا اقرب إلى المونولوج الداخلي وتداعي المعاني لإبراز النوايا المبيتة والعواطف المكبوتة

المحقق:فكرة القتل إذن خطرت لك ؟

الزوج :فعلا

المحقق :وبأي شيء كنت ستنفذ القتل ؟

الزوج :قتل من ؟زوجتي ؟

المحقق :زوجتك ؟أأنا ذكرت زوجتك ؟اّه فليكن زوجتك إذن نعم زوجتك

وحتى يجعل الحكيم فكرة الكره الزوجي عامة لا تقتصر على الزوج وحده وإنما يفصح المحقق نفسه عن مثل هذه الرغبة وضع الحوار التالي :

الزوج :هذا شيء يحدث دائما بين كل زوجين في كل بيت عند الجميع 0عندك مثلا

المحقق :عندي لا ياسيدي

الزوج :ألا يحدث هذا عندك ؟

المحقق :لو كان يحدث عندي لكنت

الزوج :لكنت قتلت زوجتك ؟

المحقق :لم أقل هذا

الزوج :بل قلقلها بصراحة 0كنت تقتلها ؟

المحقق :كنت أقتل من ؟

الزوج :زوجتك طبعا

المحقق :من فضلك نحن الاّن في زوجتك أنت

الزوج :وزوجتك ؟

المحقق :لاشأن لك بزوجتي زوجتي لم تزل في منزلها بخير

ألف شكر لك اخي عباس على الموضوع الراقي والجميل دمتا رمزا نقتدي به
بارك الله فيك اخي واستاذي